الشيطان يحكمنا

مقال رائع بعنوان: الشيطان يحكمنا

إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصا

و أنت عندك عربة خاصة، و تستطيع أن تركب قطاراً، و تحجز مقعداً في طائرة

و إمبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع و قناديل الزيت.. و أنت تضيء بيتك بالكهرباء

و قيصر الرومان كان يشرب من السقا.. و يحمل إليه الماء في القرب

و أنت تشرب مياها مرشحة من حنفيات و يجري إليك الماء في أنابيب

و هارون الرشيد كانت عنده فرقة موسيقية تعزف له في أوقات لهوه و فراغه

و أنت عندك مفاتيح الراديو توصلك إلى آلاف الفرق الموسيقية، و تحمل إلى أذنك المبهج و المطرب و الممتع من كل صوت و كل فن

و الإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز

و أنت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز

و عندك السينما سكوب و السيزاما

و لويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي

و أنت تحت بيتك مطعم فرنسي، و مطعم صيني، و مطعم ألماني، و مطعم ياباني، و محل محشي، و محل كشري، و مسمط، و مصنع مخللات و معلبات، و مربات و حلويات

و قارون أغنى أغنياء العالم يقول لنا التاريخ إن كل ثروته لم تكن تزيد على مائتين من الجنيهات بالعملة النحاسية.. و هو مبلغ تستطيع أن تكسبه الآن في شهر

و مراوح ريش النعام التي كان يروح بها العبيد على وجه الخليفة في قيظ الصيف و لهيب آب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنة بلمسة سحرية لزر كهربائي

أنت إمبراطور

و كل هؤلاء الأباطرة جرابيع و هلافيت بالنسبة لك

و لكن يبدو أننا أباطرة أغبياء جدا.. و لهذا فنحن تعساء جدا برغم النعم التي نمرح فيها

فمن عنده عربة لا يستمتع بها، و إنما ينظر في حسد لمن عنده عربتان.. و من عنده عربتان يبكي على حاله، لأن جاره يمتلك طائرة.. و من عنده طائرة يكاد يموت من الحقد و الغيرة لأن أوناسيس عنده مطار

و في النهاية يسرق بعضنا بعضاً، و يقتل بعضنا بعضاً حقداً و حسداً

ثم نلقي بقنبلة ذرية على كل هذا الرخاء.. و نشعل النارفي بيوتنا

ثم نصرخ بأنه لا توجد عدالة اجتماعية.. و يحطم الطلبة الجامعات.. و يحطم العمال المصانع

و الحقد – و ليس العدالة – هو الدافع الحقيقي وراء كل الحروب

و مهما تحقق الرخاء للأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضا، لأن كل واحد لن ينظر إلى ما في يده، و إنما إلى ما في يد غيره، و لن يتساوى الناس أبدا

فإذا ارتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع أجره ثلاثة أضعاف، و سوف تثور و تحتج، و تنفق راتبك في شراء مسدسات

لقد أصبحنا أباطرة.. هذا صحيح.. و لكننا مازلنا نفكر بغرائز حيوانات

تقدمنا كمدينة و تأخرنا كحضارة.. ارتقى الإنسان في معيشته.. و تخلف في محبته

أنت إمبراطور.. هذا صحيح.. و لكنك أتعس إمبراطور

 

 

د. مصطفى محمود

للعودة إلى قائمة اقتباسات