و اجلس على الأرض كالأطفال

مقالة أعجبتني

أخبرتها بحماسة عن تخفيضات إيكيا، متجرها المفضل، لكنها أعادت على مسمعي جملتها التي حفظتها جيداً : تعلمين أنني أحاول عدم شراء شيء لمنزلي الحالي كونه مؤقت، يبدو كلامها منطقياً، لكنه من غير المنطقي أن عمر منزلها المؤقت اثني عشر عاماً

تذكرتُ قريبتي الصغيرة حين اشترى لها والدها دراجة و رفضت استخدامها بحجة أنها جديدة لا تريد افسادها، و ظلّت تستخدم القديمة بالرغم من كل مشاكلها و وقوعها المتكرر منها

مثل هذا التفكير يدفع بالأشخاص الى تأجيل الاستمتاع بالحياة انتظاراً للحظة مثالية موجودة فقط داخل رؤوسهم

إنهم يتصوّرون أن الحياة ستطرق بابهم يوماً و في يديها كل الأحلام التي أرادوا تحقيقها و ستقول مبتسمة “يمكنكم الآن الاستمتاع بحياتكم، شكراً لانتظاركم

لا وجود للحظة مثالية كهذه، حتى و ان وجدت فإنها في الغالب ستمرّ كما مرّ غيرها انتظاراً لشيئ أعظم منها، كثيراً ما نتذكر أوقاتاً مرّت و نتفاجأ كيف أنها كانت رائعة دون أن ننتبه لذلك وقتها

كلنا نتخيّل أن أمراً ما ينقصنا الآن، لكن هذا الأمر سيظلّ ناقصاً للأبد؛ لأن قائمة أحلامنا تتجددّ كلما حققنا واحداً منها

الرجل الذي يحلم بوظيفة تضمن له استقراراً و أماناً، ستشغل تفكيره الترقيات و العلاوات و مواعيد الإجازات حين يحصل عليها، بل إنه في مرحلة متقدّمة سيبدأ بالتفكير في حلم التقاعد و الهدوء و الاسترخاء من العمل الذي لطالما أراده

النظر لأبعد مما لدينا هو الوقود الذي يحرك بني البشر للتقدّم و الاستمرار، لكنه يجب ألاّ يحرمهم من بدء حياتهم و العيش فيها و الاستمتاع بما يملكون

البعض يولد و يموت دون أن يعيش حقاً

يفني عمره مابين ادّخار و انتظار و رفض للراحة لأنه يعتقد أن هناك لحظة سرمدية سيكون كل شيئ فيها مثالياً و تتوقف فيها الأرض عن الدوران لأجل أن يستمتع هو

احصل على ماتريد في منزلك حتى و إن كان مؤقتاً، فإن المال الذي ستنفقه هو ثمنٌ بخس لقاء سعادتك حتى و إن كان عمرها يوماً واحداً فقط

العب مع طفلك الصغير و مارس أبوتك لأقصى درجة دون أن تنتظر أن يكبر قليلاً و يكفّ عن البكاء؛ فإنه حين يكفّ عن ذلك سيبدأ همّ دخوله المدرسة و أمور أخرى لا تشبه لذة الوصول التي تخيلتها

العُمر لا يبدأ من تاريخ ولادتك، بل من حيث قررت أن تجلس على الأرض كالأطفال، و تضع ما تملك أمامك مستمتعاً به و مستخدماً اياه لمنفعتك و سعادتك

ابدأ حياتك الآن فقد لا يسعفك الوقت و لا الظروف لبدأها لاحقاً

 

 

أسعد الله أوقاتكم بكل خير

للعودة إلى قائمة اقتباسات