على منهاج النُّبُوَّة

لا تبرحوا أماكنكم

خرجتْ قُريش من غزوة بدر مُثخنة، و مرَّغ الإسلام كبرياءها في التراب، و قتلَ أبرز رؤوس الكفر فيها، لهذا لم تكن غزوة أُحُد مجرَّد جولة ثانية من صراع الحق و الباطل، كانتْ بالنسبة إلى قُريش تعني الثأر، أما المُسلمون فقد كانوا على موعد مع واحد من أبلغ الدروس في تاريخ الإسلام

لاحظَ النبي صلى الله عليه و سلم ميمنة جيش قريش بقيادة خالد بن الوليد، فخشِي أن يلتفَّ بفرسانه من وراء الجبل و يُصبح المسلمون بين فكَّي كماشة، فوضع سبعين من الرُّماة على الجبل، و أصدر إليهم أمراً عسكرياً واضحاً: لا تبرحوا أماكنكم، إن رأيتمونا نُهزم فلا تنصرونا، و إن رأيتمونا نُنصر فلا تُشاركونا

و بدأت المعركة، و أبلى المسلمون بلاءً حسناً، و ذاقتْ قُريش بعض الذي ذاقته في بدر، فرَّ جنودها، و تبعهم المسلمون، ثم ظنَّ الرُّماة على الجبل أن الأمر انتهى، فنزلوا يُريدون الحظ من النصر و الغنائم! عندها حدث ما كان النبي صلَّى الله عليه و سلَّم يخشاه، التفَّ خالد بفرسانه و صار المسلمون بين فكَّي كماشة، و تحوَّل نصرهم إلى هزيمة، و تعلَّموا الدرس البليغ: هذه الأُمة لن تُحقِّق النصر ما لم تلتزم بأوامر نبيِّها وقائدها

فإن كانتْ غزوة أُحُد قد انتهتْ فإنَّ مهمة الرُّماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنتهِ بعد، فطوبى للمُدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر رافضي الانحناء و التلوُّن، كلما وهنوا قليلاً تعزّوا بصوت النبي صلَّى الله عليه و سلَّم يُنادي فيهم: لا تبرحوا أماكنكم

فلا تبرحوا أماكنكم

الأمهات اللواتي يُربين أولادهن على الصلاة و الصيام و الأخلاق، أنتنَّ تحمين ظهورنا فلا تبرحن أماكنكن

الآباء الذين يسألون أولادهم عن جزء عمَّ كما يسألونهم عن علاماتهم المدرسية، أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم

المُدرِّسون الذين يُؤمنون أنَّ هذا الجيل إذا تربَّى جيداً يُمكن أن يخرج منه أبو بكر و عمر و عثمان و علي مرة أخرى، أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم

المُوظفون الذين يُؤدون أعمالهم بمهنية و ضمير، و يُراقبون الله قبل مدرائهم أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم

المهندسون الذين يُشيِّدون الجسور و يشقون الطُرُق دون غش و احتيال و صفقات مشبوهة أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم

فتيات الحجاب و العفة اللواتي يُربين أنفسهن استعداداً لتربية أولادهن أنتن تحمين ظهورنا فلا تبرحن أماكنكن

شباب صلاة الفجر، و مجالس الحديث، و دُور القرآن، أنتم ترسانة الإسلام الأفتك و الأقوى، فلا تبرحوا أماكنكم

كل واحد فينا لو تأمَّل موضع قدميه لاكتشف أنه جندي لأجل هذا الدين، و أنه لو حارب بشراسة و أمانة فإنه سيسد ثغراً هاماً، و يدفع خطراً عظيماً، كل واحد منا في مكان وضعه الله فيه، و ألقى على كتفه مسؤولية و أمانة، فلا تبرحوا أماكنكم

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية

 

 

للعودة إلى قائمة اقتباسات