و انظر إلى عش الطيور

بقلم: حامد المنذري

قبل عدة سنوات أردت إيصال  ورقة تخص العمل إلى زميلي في يوم إجازته، فقمت بالتنسيق المفاجئ معه، فقد هاتفته حينما كنت بالقرب من المنطقة التي يقطن فيها، قال لي: تعال إلى بيتنا و أخذ يصف لي المكان إلى أن وصلت المنطقة التي يسكن بها و قد كانت منطقة متهالكة و قديمة

وصلت إلى منزله المتواضع جداً، و كانت ملامح عسر الحال واضحة في جدارنه، خرج زميلي، سلمتُ عليه، دعاني إلى الدخول إلا أنني حاولت الرفض، كُنت محرجًا جداً منه، كيف لي أن أدخل إلى ذلك البيت الغير مهيئٍ لاستقبال الضيوف، أحسست بأن هذا الأمر سيحرج زميلي بلا شك! بدأت الأفكار الرسمية تدور في ذهني إلا أنه و بالكرم العربي الأصيل قاطع أفكاري و أبى عليْ إلا الدخول

دخلت و أسندت ظهري على الدكية -الوسادة- و التي لم تكن بجوارها إلا دكية واحدة فقط و التي اتكأ هو عليها، ثم قرب الفوالة، التمر و القهوة و الماء، و قد لا تُسعفني الذاكرة لأتذكر إن كان البرتقال موجودٌ أيضاً برفقة الأصناف الثلاثة أم لا

أحاديث زميلي كانت جميلة، لم تبدو عليه ملامح الإحراج، كانت ابتسامته عريضة، و كان يعازمني على الأكل و كأنه قد قدم لي من صنوف الطعام المُحمر و المُشمر

سألني عن المنطقة؟ قلت: جميلة! ثم أردف برضاً تام: أنا أسكن هنا، هذا هو بيتنا، هذه المنطقة جميلة جداً و الجيران هُنا رائعون، هنا نشأت، هنا ترعرعت، هنا لهوت و لعبت و أخذ يسرد الحديث تلو الآخر، إلى أن ارتفع عني الحرج تماماً و أبدلني بالسكينة بل و أخذني إلى عالمٍ أخر مليء بالبساطة و الجمال

و عندما هممت بالخروج قال لي: هيا أصحبك إلى قفصِ الأرانب لترى جمالها، انظر إلى صديقي ذلك الأرنب الأبيض و انظر إلى ذلك الشقي الأحمر و أما الأسود فله مغامرات عديدة، ثم أخذني إلى الزاوية الأخرى و قال: و انظر هُنا إلى عِش الطيور، لهن زقزقة تُطرب مسمعي و تخلق في بيتنا جو ممتع و ونيس

هُنا أيقنت بأن القناعة كنزٌ لا يفنى و أن الرضى الداخلي يجعلك سيد قومك و إن كُنت بسيطًا يا صاح السِعة ليست في المساحات الواسعة بل في القلوب و ليست في البراحات الشاسعة بل في النفوس، و إنَ الراحة إن كنت تبحث عن الراحة فهي في البساطة ليست في التكلف

و إننا نعزي أنفسنا في فقدِ البساطة في زمن غلبت عليه الماديات و الشكليات، فالمُضيف قبل مَجي ضيوفه يعد العدة و يرتب جدولاً مليئًا بالخيرات، أولاً الفواكه المكونة من أصناف عديدة ثم المأدبة الممتدة على مد البصر ثم فاصل خاص للعصائر و المشروبات ثم السويتات إلى أن ينتهي ذلك اللقاء بتكلفة مادية تسببت في غلق الأبواب عن الضيوف و في تَبعيّد المسافات بين الأهل و الخِلان،

فأصبحت البيوت مثلما وصفها الشاعر في قوله كانت بيوتنا ضيقة بس السِعة وسط الصدور، و اليوم نسكن في السعة بقلوب ما فيها سِعة إن إكرام الضيف أمر واجب و  مندوب و أنه بلا شك من شيم العرب الكرامِ، إلا أن الكرم ليس طعامًا و شرابًا و إنما في حفاوة الاستقبال و حفاوة اللقاء، في البقاء مع الضيف قلباً و قالباً

هو أتى لزيارتك و الجلوس معك، و لم يأتِ ليراك بين داخلٍ إلى المجلس بطبق و خارجٍ منه بطبق أخر، لا لتصف الطعام أمامه ثم تنشغل بهاتفك عنه، الكرم ينبع من النفوس أولاً ثم من الجيوب

لسنا بحاجة إلى إنفاق المزيد من المال من أجل الاستضافة و إنما نحن بحاجة إلى إنفاق المزيد من الإهتمام

بقلم: حامد المنذري

 

 

2018 للعودة إلى قائمة اقتباسات