نظرية النوافذ المكسورة
سائق التاكسي
تركته صغيراً
و تذكرت قصة ذلك الشاب الذي حكم عليه بالإعدام بجرم السطو المسلح، و هي جريمة مركبة تحوي سرقة و ترويعاً؛ لذا فعقابها كبير، و قبل تنفيد حكم الإعدام سُئل الشاب: إن كان يريد شيئاً قبل تنفيذ الحكم! فطلب الحديث مع أمه، و عندما حضرت الأم طلب منها الاقتراب؛ فلما اقتربت عض أذنها حتى قطعها بين صياحها و صراخ الناس! و بعد توبيخ من الشرطة سئل عن السبب فرد برد عجيب فقال: عندما سرقت لعبة أخي و أنا صغير لم تعاقبني، حتى تعودت و تطور معي الأمر و وصلت إلى ما وصلت إليه
النظرية العجيبة
و معه تذكرت نظرية للعالم في علم الجريمة (جورج كلينج) اسماها نظرية (النوافذ المكسورة) و تتحدث النظرية على أن التسيب و الانفلات الأمني ثمرة للفوضى و عدم الاعتناء بالأمور الصغيرة، فقال: إن وجود نافذة مكسورة في شارع دون إصلاح لفترة طويلة سيولد قناعة على أن المكان و الشارع غير معتنى بهما و غير خاضع للمتابعة الأمنية، و هو ما سيجعل المجرمين يتجرؤون على النيل من باقي النوافذ و العبث بالبيوت المجاورة! و هذا في الحقيقة لا يقتصر على النوافذ بل في كل مناحي الحياة
و قد كانت بداية تطبيق هذه النظرية في نيويورك عندما ارتفع منسوب الجرائم في محطات القطار في مطلع الثمانينات، ثم انخفض بنسبة 75% في التسعينات و أصابع اللحظ تشيرعلى أن لنظرية النوافذ المكسورة الفضل في انحسار النسبة، و تبدأ القصة عندما عين قطاع المواصلات ويليام براتون ليرأس شرطة المواصلات، و كان رجلاً مؤمناً بنظرية النوافذ المحطمة، الذي قرر البدء بالقضاء على ظاهرة التهرب من دفع قيمة التذاكر، لأنه رأى فيها أنها الفيروس حامل العدوى
بدأ ويليام فوجد أنه عند قيام بعض الركاب بالتهرب من دفع النقود، فسيبدأ الآخرون في التقليد و عدم الدفع، و تمت الخطة الأمنية بانتشارعشرات من رجال الشرطة المتنكرين، بدأوا في المحطات ذات أعلى نسب تهرب، حيث كانوا يقبضون على المتهربين واحداً تلو الآخر، ثم يكبلوهم بالأصفاد خلف ظهورهم، و يجعلونهم يقفون في طابور على المحطة، ليراهم الجميع بعد فترة، بدأ رجال العصابات يتوقفون عن التهرب من دفع تذاكر الركوب، و بدأوا يتركون أسلحتهم وراءهم قبل ركوب القطارات
تحول رجال ويليام للجرائم الأخرى مثل ركوب القطارات تحت تأثير الخمور و المخدرات، و سر نجاحهم هنا يكمن في كونهم ركزوا على الصغائر و الدقائق؛ فكبحوا جماح الكبائر و الجلائل! وجوهر نظرية (النوافذ المكسورة) هو: أن إهمال الأشياء الصغيرة و التساهل فيها جزماً سيؤدي إلى ما هو أعظم و العكس الصحيح أن التعامل بجدية و صرامة مع دقائق الأمور سيحول دون تطورها
وقفة
في مجال علاقة الإنسان بربه، الإنسان في حياته إذا ما تساهل بالصغائر و تهاون فيها؛ فهي تمهد الطريق نحو الطوام و تيسر الدرب نحو الكبائر، و في المقابل فإن اهتمام الإنسان بالنوافل يجعل منها خط دفاع قوي و متماسك و يجعله لا يفكر في التهاون في الفروض
و أجزم أن ما نراه في مجتمعنا من ظواهر سلبية تتزايد يوماً بعد يوم كتخريب الممتلكات العامة و السرعة القاتلة، و التهاون بأرواح البشر، و الاعتداء على الحكام في الملاعب، و السرقات في وضح النهار، و الاعتداء على المعلمين، و النيل من الرموز، و العنصرية و العصبية، و وصولا إلى التعرض للثوابت الدينية و الوطنية أحسب أنها نتائج للتساهل في أمور أصغر و التهاون في البدايات و عدم الردع المبكر و معها زال الخوف و تلاشت الرهبة و ضعفت الهيبة و جرأت ضعاف النفوس على تلك العظائم
ومضة قلم
لا تؤجل حل المشكلات التي قد تعاني منها؛ فالتراكم يؤدي إلى تصعيد هذه المشكلات
د.خالد بن صالح المنيف